محبة الله للمتباذلين فيه
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله عز وجل: وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين، فيَّ والمتباذلين فيَّ).
هنا وقفة مع قوله: (والمتباذلين فيَّ) الذين استحقوا محبة الله لهم، وهذا يدل على جلالة العمل الذي عملوه، والسلوك الذي اتبعوه، ومنزلته عند الله.
وفي مجال تعليم كتاب الله تبرز الحاجة إلى مثل هذه القيمة السامية، بل وفي كل مجال، وقد يتبادر إلى الذهن أن التباذل يكون في المال فقط، ولا شك أن تباذل المال بحيث يسد المسلم حاجة أخيه في مقدمة أنواع البذل، لكن مفهوم التباذل يتعدى ذلك عند أصحاب النفوس الكبيرة والهمم العالية وعمق الفهم.
فمن صور التباذل الفاخرة أن تبدع المشتغلة بتعليم كتاب الله مبادرة ناجحة، ثم تسعى لتعميم النفع بها، وتحرص على تبادل الخبرة مع غيرها، ولا تحتجن الفكرة لنفسها، وهذا الكلام كما ينطبق على الأفراد ينطبق على الكيانات المهتمة بتعليم كتاب الله الكريم، فمِنْ طَلَبِ محبةِ الله أن تتداول هذه الجهات خططها وتجاربها ومبادراتها الناجحة الفاعلة، وأن تفرح بتعميمها، وأن يحب الجميع العطاء والبذل كما يحب الانتفاع، وهذا العمل مع كونه سبيلاً لتحصيل محبة الله الكريم فهو أيضاً سبيل لاستمرار الأجر، وتتابع المنفعة في الأجيال، وهو ما يرجى ألا ينقطع ثوابه.
ومن صور التباذل بذل النفس والجهد للناس وللعمل الخيري، ولقد جسّد أبو بكر الصديق رضي الله عنه هذا المعنى خير تجسيد حين هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم وبذل له نفسه وتحمل مشقة الطريق واللبث في الغار وغير ذلك.
والعمل الخيري -ومنه تعليم القرآن الكريم- يحتاج إلى مثل هذا النوع من التباذل، فالعاملة تبذل جهدها البدني ووقتها وفكرها لإعانة زميلاتها على النهوض بالرسالة وتحقيق الأهداف، في مشهد من التكامل والترابط المحبوب، فالباذلة نفسها اليوم لإنجاز.
مهمة مع زميلتها تجد غدًا زميلتها داعمة لها باذلة نفسها لتعزيز جهدها وتكميله.
والمجتمع بأسره ينبغي أن تشيع فيه ثقافة التباذل بكل صورها، حتى إعارة الماعون وغيره تعد من صور التباذل المحمود، التي ربما تضمحل في بيئة لكنها تبقى محتاجًا إليها في بيئة أخرى.
التنبيه الأهم الذي تضمنه نص الحديث أن يكون ذلك كله في الله ولله؛ لكي تحقق لممارسه الجائزة (محبة الله).